فصل في صفاته الخلقية صلى الله عليه وسلم ونبينا - صلى الله عليه وسلم - قد كمله الله سبحانه ، ورزقه جمال الظاهر وجمال الباطن ، فكان أحسن الخلق صورة ، وأكملهم خلقا صلى الله عليه وسلم .
والبحث في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - الخلقية يستفيد منها المؤمن أمورا :
منها : زيادة الإيمان ، فإن المسلم كلما كانت معرفته بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأحواله وأوصافه وتفاصيل ما جاء به أكثر كان ذلك مدعاة ليكون إيمانه به أكمل ، ومحبته له أعظم .
ومنها : أنه قد جاء في حديث
أنس - رضي الله عنه - المتفق على صحته : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة 
ومن جاء بعده ممن لم يره في حياته - صلى الله عليه وسلم - ليس له طريق إلى معرفته إلا بصفاته ، وقد جاءت مبينة بآثار صحيحة عن الصحابة رضي الله عنهم .
منها : حديث
البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال :
( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مربوعا ، بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنه ، رأيته في حلة حمراء ، لم أر شيئا قط أحسن منه ، قال يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه : ( إلى منكبيه ) 
أخرجه
البخاري .
وعن
جابر بن سمرة قال :
( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضليع الفم ، أشكل العين ، منهوس العقبين ، قال : قلت لسماك : ما ضليع الفم ؟ قال : عظيم الفم ، قال : قلت ما أشكل العين ؟ قال : طويل شق العين ، قال : قلت : ما منهوس العقب ؟ قال : قليل لحم العقب ) 
أخرجه
مسلم .
وعن
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال :
( لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطويل ولا بالقصير ، شثن الكفين والقدمين ، ضخم الرأس ، ضخم الكراديس ، طويل المسربة ، إذا مشى تكفأ تكفؤا ، كأنما انحط من صبب ، لم أر قبله ولا بعده مثله ) 
أخرجه
الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
وعنه - رضي الله عنه - قال :
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضخم الرأس ، عظيم العينين ، هدب الأشفار . - قال حسن وهو أحد رجال السند : الشفار مشرب العينين بحمرة - ، كث اللحية ، أزهر اللون ، شثن الكفين والقدمين ، إذا مشى كأنما يمشي في صعد - قال حسن : تكفأ - وإذا التفت التفت جميعا ) 
أخرجه الإمام
أحمد .
ومعنى شثن الكف : أي غليظه ، قال
الزمخشري في [ الفائق ] : وهو مدح في الرجال ، لأنه أشد لعصبهم ، وأصبر لهم على المراس

والكراديس : هي : رؤوس العظام . وقيل : هي ملتقى كل عظمين ضخمين ؛ كالركبتين والمرفقين والمنكبين ، والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - ضخم الأعضاء .
والمسربة : هي ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف ، وفي [ لسان العرب ] قال
سيبويه : ليست المسربة على المكان ولا المصدر ، وإنما هي اسم للشعر
والصب : ما انحدر من الأرض . والصعد ، قال في [ النهاية ] : ( كأنما ينحط في صعد ) هكذا جاء في رواية ، يعني : موضعا عاليا يصعد فيه وينحط . . . إلى أن قال : والصُعُد - بضمتين - : جمع صعود ، وهو خلاف الهبوط
