بيان من المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
حول التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين ، نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ، بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، بعثه للناس كافة عربهم وعجمهم ، أبيضهم وأسودهم ، كما قال سبحانه :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ 
وقال تعالى :
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا 
وقال :
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا 
.
وأنزل عليه خير كتبه ، القرآن الكريم ، الذي هو معجزته الخالدة ، كما قال تعالى :
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا 
،
وتعهد الله بحفظه من أن تمسه يد التغيير والتبديل ، حيث يقول :
إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 
، ليبقى مشعلا مضيئا ، تستهدي به البشرية في مسيرتها الدائمة ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، قال سبحانه :
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ 
.
وجعل اتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته موجبا لمحبته سبحانه ، قال تعالى :
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ 
.
وقرن طاعته بطاعته في الكثير من الآيات . كقوله سبحانه :
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ 
، وقوله :
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ 
، وقوله :
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ 
، وغيرها من الآيات .
وأوجب محبته على الخلق كما قال تعالى :
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا 
، وكما في الحديث الصحيح من
قول عمر رضي الله عنه : "يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال : لا يا عمر ، حتى أكون أحب إليك من نفسك ، قال : فأنت والله يا رسول الله أحب إلي من نفسي ، قال : الآن يا عمر 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين 
متفق عليه .
وبمناسبة ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة عن إقدام بعض الحاقدين على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام على نشر صور وقحة ، وتعليقات قبيحة مصاحبة لها في إحدى الصحف الصادرة في
كوبنهاجن عاصمة
الدانمارك زعم ناشروها أنها تمثل الرسول الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهي صور وتعليقات لا توجد إلا في مخيلة مروجيها ممن أكل الحقد والكراهية للإسلام ونبي الإسلام قلوب دعاتها .
ومعلوم أن أنبياء الله ورسله هم خير البشر ، وهم الذين اختارهم الله لحمل رسالاته ، وإبلاغها لعامة الخلق ، فواجب الخلق تجاههم الإيمان بهم ، ونصرتهم ، وتعزيرهم ، وتوقيرهم، وقبول ما جاءوا به من عند الله . قال تعالى :
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ 
.
وقد أخبر سبحانه أن رسله منصورون بنصره . فقال :
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ 
.
وإننا إذ نستنكر هذا البهتان العظيم الموجه لنبي الإسلام وخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام لعلى يقين بأن الله سبحانه ناصر لنبيه ، وخاذل لأعدائه ، كما قال سبحانه :
إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا 
. وقال تعالى :
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 
. وقال سبحانه :
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 
وقال :
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا 
، وقال سبحانه :
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 
، وقال :
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ 
. ووعده سبحانه حق ، وقوله الصدق .
ومعلوم أن سب الرسول والاستهزاء به ، انتهاك لحرمته ، وتنقيص لقدره ، وإيذاء لله ولرسوله ولعباده المؤمنين ، وتشجيع للنفوس الكافرة والمنافقة على اصطلام أمر الإسلام ، وطلب إذلال النفوس المؤمنة ، وإزالة عز الدين ، وإسفال كلمة الله . وهذا من أبلغ السعي فسادا ، وقد أخبرنا الله سبحانه أن أعداءه سيواصلون شرهم وأذاهم ، وأمرنا بالصبر والمصابرة ، فقال تعالى :
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ 
.
ويجب على كل مسلم نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره ، كما قال تعالى :
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ 
وتعزيره : يشمل نصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه ، والتوقير : اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام ، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار .
ونظرا لما أثاره هذا الهجوم الوقح على نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، من ألم واستياء وأذى لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، فإني أدعو المسئولين في حكومة
الدانمارك بأن تحاسب الصحيفة التي نشرت هذه الرسوم ، وتلزمها بالاعتذار عن جريمتها النكراء ، وتوقع الجزاء الرادع على من شارك في إثارة هذا الموضوع . فهذا أقل ما يطالب به المسلمون .
نسأل الله جلت قدرته أن يحفظ نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من كيد الكائدين ، وعدوان المعتدين ، وظلم الظالمين ، كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، إنه على كل شيء قدير ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
المفتي العالم للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ