تصفح برقم المجلد > من فتاوى الصيام > مقدمة في فضائل شهر رمضان

من فتاوى الصيام

لسماحة الشيخ العلامة

عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتى عام المملكة العربية السعودية

ورئيس هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

إشراف

معالي الشيخ فهد بن عبد العزيز العواد

مستشار سماحة مفتى عام المملكة العربية السعودية

جمع وإعداد

ناصر بن عبد الله بن ناصر الهديان

الباحث الشرعي بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء

( الصفحة رقم: 3)

بسم الله الرحمن الرحيم

( الصفحة رقم: 4)
( الصفحة رقم: 5)

مقدمة

فضائل شهر رمضان
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
أيها المسلم، إن الله جل وعلا خلقك في أحسن تقويم: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ؛ فضلك على كثير ممن خلق: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ، ثم مَنَّ الله عليك بنعمة أخرى هي هدايتك للإسلام، فجعلك من المؤمنين، المستجيبين لله ورسوله، القابلين لأوامر الله، المنفذين لها، الراضين بها، المطمئنين بها.
أيها المسلم، جعلك الله كذلك، وأنقذك من فئة حيل بينهم وبين الهدى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ، وأخبرنا أن هذا النوع، وإن أعطوا عقولاً وأسماعاً وأبصاراً، لكنهم لم يستفيدوا منهم شيئا: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ .
( الصفحة رقم: 6)
أيها المسلم، إن الله تعالى يخاطبك ، ويوجه خطابه إليك قائلاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
أيها المسلم، أنت فرد من هؤلاء المخاطبين، خوطبوا من رب العالمين، وجَّه لهم الخطاب بأسمى صفاتهم وأعلاها وأشرفها، ألا وهو الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ، إنك تقرأ هذه الآية؛ فتزداد فخراً، وشرفاً، ورفعةً، وفرحاً، وسروراً، بأنك واحد من أولئك المخاطبين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ .
أخي المسلم، صيام رمضان عبادة من العبادات، التي شرعها الله امتحاناً وابتلاءً للعباد : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ، والله غني عنا وعن طاعاتنا، لكن شرع لنا تلك الطاعات لما فيها من المصالح العاجلة والآجلة، فالشكر له جل وعلا، والفضل له على ما شرع، والله جل وعلا له الفضل والمنة علينا، وهو غني عن طاعتنا، لكن ليظهر شكرنا له، وثناؤنا عليه.
أيها المسلم، فالصوم عبادة يجب أن يؤدى طاعة لله وقياماً بحق الله، وشكراً له على إنعامه وإفضاله.
والله تعالى شرع العبادات أنواعاً متنوعة ؛ فجعل منها عبادات قولية، وعبادات فعلية؛ فالدعاء وأنواع الأذكار عبادة قولية، وبقية العبادات عبادات فعلية، والفعلية منها عبادة خاصة بالبدن وهي الصلوات الخمس، وعبادة مختصة بالأموال وهي الزكاة، وهي عبادة مركبة من المال والبدن وهو حج بيت الله الحرام .
وأما عبادة الصيام، فهو كف النفس عن المشتهيات، لكنه ليس سلبياً، إنما كفّ طاعة، وتقرب إلى الله وخضوع له.
( الصفحة رقم: 7)
أيها المسلم، شهر رمضان شهر عظيم، وموسم كريم، ذلك الشهر الذي فضله الله على سائر شهور العام، ذلكم الشهر الذي أودع الله فيه من الخير والفضل الشيء الكثير، ذلك الشهر الذي هو ميدان للتنافس في صالح الأعمال.
أيها المسلم، افترض الله الصيام على أمة الإسلام، وجعله خامس أركان الإسلام أو رابعها على حسب اختلاف الرواية يقول صلى الله عليه وسلم : بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ .
فالمسلمون مجمعون على أنه أحد أركان الإسلام؛ لدلالة الكتاب والسنة وإجماع أمة الإسلام على ذلك، ولا يشك ولا يرتاب في ذلك إلا من في قلبه مرض، عافانا الله وإياكم من ذلك.
أيها المسلمون، الصوم عبادة تَعَبَّدَ اللهُ بها مَنْ قبلنا من الأمم ؛ فهو عبادة قديمة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، لكن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- اختصهم الله في هذا الشهر بخصائص لم تكن لأمة قبلهم، إن من قبلنا من أتباع الأنبياء حرّفوا صيامهم، زيادة أو نقصاناً، أو تغييراً في صفة الصيام، أما أمة الإسلام فإن صيامهم لرمضان، صيام على وفق ما شرعه الله، لم يحصل تبديل ولا تحريف، ولله الفضل والمنة؛ لأن الله حافظ هذا الدين: إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .
أخي المسلم، إن الله اختصنا في هذا الشهر بخصائص عظيمة لم تكن لمن
( الصفحة رقم: 8)
قبلنا من الأمم؛ فقد بيّن لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بقوله: أُعْطِيَتْ أُمَّتَي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ: خُلُوفُ فَمِ الصَّائَمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا، وَيُزَيِّنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ، وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلاَ يَخْلُصُونَ فِيهِ إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قَالَ: "لاَ، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ"
أخي المسلم، فخلوف فم الصائم، أبخرة تتصاعد من المعدة بعد خلوها من الطعام والشراب، كريهة في مشامّ الناس، لكنها عند الله أطيب من ريح المسك، لكونها ناشئة عن طاعة لله.
ملائكة الرحمن الذين يسبحون الله الليل والنهار لا يفترون عباد مكرمون: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، أولئك المقربون هيأهم الله للاستغفار للصائمين؛ فملائكة الرحمن تستغفر لك أيها الصائم منذ بدء صيامك إلى انقضاء صيامك، كما أنهم يستغفرون للمصلي مادام في مصلاه: اللهم صلّ عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. فملائكة الرحمن يستغفرون لك، وهذا من فضل الله عليك.
جنة الله يزينها كل يوم، ويهيئها نزلا للصائمين، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم أذى الدنيا ومشاقها ويصيروا إليك فضلاً منه وكرماً.
مردة الشياطين يُغَلّون ويسلسلون؛ فيضعف سلطانهم، ويتقلص شرهم بقوة الصائمين وعظيم ما يؤدونه من الخير.
( الصفحة رقم: 9)
يغفر لنا في آخر ليلة من ليالي رمضان إذا نحن قمنا بما أوجب الله، ونسأل الله أن يحقق ذلك لنا بفضله وكرمه .



  سابق     تالي